التختم بالوسطى والسبابة ..

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ ، قَالَ : فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا " .

وأخرجه الترمذي بلفظ : نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَسِّيِّ ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ ، وَأَنْ أَلْبَسَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ ، وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " .

قال النووي:
"
"وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّة جَعْل خَاتَم الرَّجُل فِي الْخِنْصَر، وَأَمَّا الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تَتَّخِذ خَوَاتِيم فِي أَصَابِع. قَالُوا: وَالْحِكْمَة فِي كَوْنه فِي الْخِنْصَر أَنَّهُ أَبْعَد مِنْ الامْتِهَان فِيمَا يُتَعَاطَى بِالْيَدِ، لِكَوْنِهِ طَرَفًا، وَلأَنَّهُ لا يَشْغَل الْيَد عَمَّا تَتَنَاوَلهُ مِنْ أَشْغَالهَا بِخِلافِ غَيْر الْخِنْصَر، وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ جَعْله فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيث، وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه".


من المعلوم أن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا إذا ما دلل الشارع على اختصاص جنس بحكم دون الآخر ..
فما دليل اختصاص الرجال بالنهي دون النساء ؟


جاء في منظومة الألباب للسفاريني :
وقال في الإنصاف : أكثر الأصحاب لم يقيدوا الكراهة في اللبس بالسبابة والوسطى بالرجل بل أطلقوا .

قال الحافظ ابن رجب في كتابه : وذكر بعض الأصحاب أن ذلك خاص بالرجال . انتهى .

ولم يقيده صاحب الإقناع والمنتهى والغاية وغيرهم .

والقيد أصوب ، والله أعلم .


فما دليل القيد؟

والمسألة الثانية في جعل الحكم مكروها لا محرماً كما تقدم عن النووي.


فما الصارف عن التحريم الذي اقتضاه النهي ؟
وقد قال بالتحريم من العلماء ابن حزم في المحلى :" وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لَابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ ، لِأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا نُهِيَ عَنْهُ ".


أرجو من الإخوة التفاعل ...


لقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما:
عن أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أن علياً رضي الله عنه قال نهاني - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن أجعل خاتمي في هذه أو التي تليها قال بعض الرواة نهاني أن أتختم في إصبعي هذه أو هذه قال وأومأ إلى الوسطى والتي تليها، ونهاني عن لبس القسي وعن جلوس على المياثر.
قال فأما القسي: فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر أو الشام.
وأما المياثر: فشيء كانت تجعله النساء لبعولتهن على الرحل كالقطائف الأرجوان.
وأخرج البخاري منه تفسير القسية والميثرة فقط بغير إسناد فقال:
وقال عاصم عن أبي بردة قلنا لعلي ما القسية قال ثياب أتتنا من الشام أو من مصر مضلعة فيها حريرٌ (قلت: والحرير خاص بالنساء) فيها أمثال الأترج والميثرة كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف قال البخاري وقال جرير في حديثه القسية ثياب مضلعة يجاء بها من مصر.
وفي رواية الترمذي:
أخبرنا قتيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن هبيرة بن يريم قال قال علي نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن القسي وعن المياثر الحمر وعن الجعة .
والجعة: شراب يصنع من الشعير والحنطة.
صححه الألباني في صحيح الترمذي

الشاهد من الحديث الثاني أنه ذُكِرَ الذهب مع القسي والمياثر، وهي كما فسرها البخاري في الحديث الأول مختصة بالنساء، وقد ذُكِرَتْ في الحديث الاول مع النهي عن الاختتام بالوسطى والتي تليها، ولعلها خاصة بالنساء والله أعلم - وكما يشاهد اليوم من لبسهن للخواتم- فرجحوا إلى أن ما ذكر في هذا الحديث هو خاص بالرجال وقد رواه علي رضي الله عنه.

وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه، قال:
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاتَمًا فِى خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ هَكَذَا وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ وَلاَ يَخَالُ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلاَّ قَدْ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ كَذَلِكَ. (صححه الألباني)

قال صاحب عون المعبود:
والحديث يدل على كراهة جعل الخاتم في السبابة والوسطى.
قال القارىء ناقلا عن ميرك لم يثبت في الإبهام والبنصر رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم فيثبت ندبه في الخنصر وإليه جنح الشافعية والحنفية.
انتهى

ونقل قول النووي فقال: قال النووي أجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر وأما المرأة فلها التختم في الأصابع كلها.
انتهى

قال الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة تعليقاً على حديث رقم (5499) ( نهاني أن أتختم في هذه وهذه . يعني : الخنصر والإبهام ) .
شاذ بهذا اللفظ (وكان قد صححه الألباني في صحيح وضعيف ابن ماجه)
أخرجه ابن ماجه (3648) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم عن أبي بردة عن علي قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ؛ غير عاصم - وهو ابن كليب الجرمي - ؛ فهو من رجال مسلم وحده ؛ غير أن البخاري روى له تعليقاً .
وعبد الله بن إدريس : هو الأودي .
وابن أبي شيبة : اسمه عبد الله بن محمد ، وهو الثقة الحافظ صاحب "المصنف" وغيره من المؤلفات ؛ فالسند صحيح .
لكن في المتن شذوذ ونكارة من وجهين :
الأول : قوله : هذه وهذه ! وإنما هو : .. أو هذه ... على الشك .
والآخر : قوله : يعني : الخنصر والإبهام ! والصواب :
السبابة أو الوسطى .


ثم قال الألباني رحمه الله:
فإن قيل : فإذا كان الراوي عاصم شَكَّ ، ولم يدر أي الإصبعين أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - : السبابة والوسطى ؟ فعلى ماذا العمل ؟
فأقول (والقول للألباني): إلى أن يتبين لنا أيهما أراد - صلى الله عليه وسلم - برواية أخرى أو بحديث آخر ؛ فينبغي أن يكون العمل بلفظي الحديث احتياطاً ، فلا يتختم في الوسطى ولا في السبابة . وهو الذي نقله القاري عن النووي : أنه يكره ذلك كراهة تنزيه . والله أعلم .