- بنو قينقاع:
"يا معشر يهود.. احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة".. هكذا نصحهم النبي حين اجتمع بهم, وقد بدر منهم ما يدل على عزمهم الحرب ونقض العهد، وكان ردهم: "أترى أنا قومك؟!- يعني قريشًا- لا يغرَّنَّك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة- يعني بدرًا- أما نحن والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس".
وينقضون العهد، ويروي ابن إسحاق ما فعلوه من إظهار لسوءة المرأة المسلمة التي استغاثت بمسلم, ثم انكبوا على المسلم فقتلوه, وبدأ الحصار خمسة عشر يومًا والرسول صلى الله عليه وسلم يحاصرهم وهم في الحصون, فانهاروا وطلبوا التسليم, ثم شفع فيهم زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول, وهو التحالف المستمر بين اليهود والمنافقين, فاكتفى النبي بإجلائهم عن المدينة.
2- بنو النضير:
ما زال شابٌّ أرعن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل معه مجموعة من الصحابة لتعليم أهل نجد الإسلام حتى أرسلهم النبي, وعند بئر معونة هاجم يهود بني سليم المسلمين وقتلوهم غدرًا وظلمًا إلا واحدًا جاء بالخبر, وقد قتل في الطريق اثنين من بني عامر قد تعرَّضا له.
وكعادة النبي صلى الله عليه وسلم يخرج غير مستعد للحرب إلى ديار بني النضير ليردَّ دية العامريين, وكان في استجابتهم السريعة دخان غدر برسول الله, فقد قالوا على الفور: "نعم يا أبا القاسم.. نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه", لقد أرادوا أن يمكث النبي أطول وقت, وقد اتفقوا على خطة لاغتياله, ويُعلم الله الأمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم, ويغادر النبي ديار الحقد والغدر بمهارة وينجو من الأذى.
وبعد عودته إلى المدينة وجَّه إنذارًا إلى بني النضير حمله محمد بن مسلمة قائلاً: "اذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أن أخرجوا من بلادي؛ لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم مما هممتم به من الغدر, لقد أجلتكم عشرًا؛ فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه".
وبعد أن رفض اليهود الإنذار حاصرهم النبي, وانتهى الحصار بإجلائهم عن المدينة, وقد ذهبوا جميعًا إلى حصون خيبر, ولم يبقَ في المدينة من اليهود سوى قبيلة واحدة، وهي بنو قريظة.
3- بنو قريظة:
ويأتي يوم الأحزاب, ويبلغ الحقد اليهودي غايته بالإسلام حينما يتآمرون مع قريش وغطفان على الفور, وكانت حصون بني قريظة جزءًا من خطة الجيش الزاحف على المسلمين.
وبنقضهم العهد والغدر بالمواثيق يرسل النبي إليهم وفدًا برئاسة سعد بن معاذ ليذكِّرهم بالعهد ويطالبهم بالوفاء والالتزام, فردوا ردًّا قبيحًا وأعلنوا في وقاحة عزمهم على مواصلة الحرب.
وبعد انتصار الإسلام يوم الأحزاب تراجعت قريش وغطفان وبقيت في الميدان حصون بني قريظة, التي حاصرها النبي خمسًا وعشرين ليلة حتى انهارت قواهم ورضَوا بتحكيم سيد الأوس سعد بن معاذ الذي أمر:
- بقتل الرجال وتقسيم الأموال.
- وأن تُسبى الذراري والنساء.
ونُفِّذ في الرجال حكم الموت، وأخذت الأموال والحصون جزاء ما قدَّموه من غدر وتأليب للأحزاب على قتل و تدمير الإسلام.
4- خيبر:
وفي السنة السابعة من الهجرة سار رسول الله إلى آخر معاقل اليهود في حصون خيبر التي تجمع فيها معظم يهود الحجاز, وسقطت حصونهم في أيدي المسلمين واستسلموا طالبين من النبي صلى الله عليه وسلم حقن دمائهم.
ولكن الغدر الذي جبلوا عليه يأبى إلا أن يظهر، فقامت امرأة يهودية بتقديم شاة مسمومة إلى رسول الله الذي لفظ ما مضغه منها ثم قال: "إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم", وظل رسول الله يشكو من تلك المضغة حتى مات منها.
وتم بانتصار المسلمين في خيبر كما يقول باشميل: "اقتلاع جذور الوجود اليهودي الدخيل في منطقة خيبر التي هي آخر وأقوى معقل للوجود الأجنبي في جزيرة العرب".
لقد كانت خيبر فتحًا عظيمًا على المسلمين, ليس فيما غنموه من غنائم, ولكن بعد أن تم تطهير الأمة المسلمة من كيان الغدر والتآمر اليهودي تفتح مكة في العام الثامن الهجري, وبعد سبعة شهور من خيبر، وهكذا تم التطهير الكامل من خطر الوثنية واليهودية, ودانت جزيرة العرب كلها للإسلام.
وإن كانت خيبر آخر حلقة من حلقات غزوات النبي مع اليهود, فما زالت محفورةً في أذهان أجيالهم, فتراهم يدنِّسون القدس ويقتلون الأبرياء ويستحيون النساء, ولا يألون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة, ويحاولون تصفية القضية الفلسطينية, وإنهاء المقاومة الإسلامية, ثم يعلنون فور كل غدر: "هذا يوم بيوم خيبر"!!